الحاجة إلى نهضة جادة وحماية إستراتيجية
لا يمكن الحديث عن مستقبل اقتصادي مستدام للكويت دون التوقف مطولاً عند واقع الصناعة الوطنية التي لاتزال تعاني من اختلالات هيكلية وتحديات معقدة رغم ما تمتلكه البلاد من إمكانات ومقومات قادرة على جعلها مركزًا صناعيًا إقليميًا فاعلًا.
وفي ظل تطورات متسارعة إقليميًا وعالميًا، بات من الضروري أن تعيد الكويت رسم ملامح سياساتها الصناعية بكل جدية وواقعية.
اليوم، تُقدِم الهيئة العامة للصناعة على خطوة مهمة من خلال إطلاق إستراتيجيتها الصناعية الجديدة، والتي تهدف إلى تعزيز المحتوى المحلي، وتوسيع رقعة الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة، وتوفير بيئة أعمال أكثر مرونة وجاذبية للاستثمار الصناعي.
هذه الإستراتيجية تمثل نقلة نوعية إذا ما تم تنفيذها بشفافية والتزام، خصوصًا أنها تضع في أولوياتها تسريع تخصيص الأراضي الصناعية وتطوير البنية التحتية، وتحسين الحوكمة والرقابة على استخدام القسائم الصناعية.
ولعل من أبرز التحديات التي تواجه هذه الجهود استغلال البعض القسائم الصناعية لأغراض تجارية وتأجيرية بحتة، بعيدًا عن النشاط الصناعي الحقيقي.
هذا الخلل لا يضر فقط بعدالة التوزيع، بل يعطّل فرص الصناعيين الجادين ويشوّه البيئة الاستثمارية.
وهنا تبرز الحاجة الماسة إلى الحزم والرقابة وتفعيل سحب القسائم من غير الملتزمين، حفاظًا على المال العام وتحقيقًا للعدالة الصناعية.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المهم الذي يلعبه البنك الصناعي ومحفظة النشاط الحرفي، والتي تمثل رافعة مالية ضرورية لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الشباب الكويتي للدخول في النشاط الصناعي.
المطلوب اليوم ليس مجرد تمويل، بل منظومة متكاملة تشمل التوجيه الفني، والمتابعة الميدانية، والتقييم المستمر لضمان عدم تحوّل هذه القروض إلى عبء مالي دون مردود اقتصادي حقيقي.
ومن جانب آخر، فإن القرارات الاقتصادية الرشيدة، مثل فرض الضريبة على واردات السيراميك من الصين والهند، تمثل توجهًا حكيمًا لحماية الصناعات الوطنية، لاسيما في ظل الإغراق الذي كان يهدد مصانع السيراميك المحلية.
هذه الإجراءات ليست شكلية، بل تعكس وعياً إستراتيجياً بأهمية بناء قاعدة إنتاجية محلية قادرة على المنافسة والصمود.
لكن حماية الصناعة لا تكتمل إلا بحماية المبادئ التي تقوم عليها. فـالمستثمر الصناعي غير الجاد يشكل عائقًا لا يقل خطرًا عن العوائق الفنية أو البيروقراطية.
إن التغاضي عن هؤلاء يعني استمرار الهدر في الوقت والموارد، وتأخير انطلاقة التنمية الحقيقية. لذلك، فإن الجدية والحزم في التعامل مع غير الملتزمين يجب أن تكون سياسة ثابتة لا مجال فيها للمجاملة أو التساهل.
ختامًا، فإن نهضة الصناعة الكويتية ليست ترفًا، بل خيار وجودي لضمان الأمن الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة لأبناء الوطن. ومتى ما توافرت الرؤية والقرار والإرادة، فإن تحويل الكويت إلى مركز صناعي إقليمي لم يعد حلمًا بعيد المنال.
دمتم بود …