ترامب في الخليج… الاقتصاد أولاً
يمكن القول أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة إلى منطقة الخليج العربي، وتحديداً إلى المملكة العربية السعودية، شكّلت لحظة مفصلية في مسار العلاقات الخليجية الأميركية، ليس فقط من ناحية سياسية وأمنية، بل وعلى نحو غير مسبوق، من الجانب الاقتصادي.
ففي الرياض، حيث عُقدت قممٌ تاريخية جمعت الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون الخليجي، تم التوقيع على حزمة ضخمة من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية، بلغ إجمالي قيمتها أكثر من 400 مليار دولار، منها اتفاقيات مباشرة بين الحكومة السعودية والشركات الأميركية، وأخرى شراكات طويلة الأجل في مجالات حيوية.
من أبرز هذه الاتفاقيات، صفقة أسلحة تاريخية بقيمة 110 مليارات دولار، لكن الأهم اقتصادياً كان الإعلان عن استثمارات سعودية كبرى في البنية التحتية الأميركية، وتفاهمات لإنشاء شراكات صناعية وتكنولوجية في مجالات مثل الدفاع، الطاقة، النقل، والطيران.
كما تم توقيع اتفاقيات بين شركات سعودية وأميركية لإنشاء مصانع في المملكة، ونقل التكنولوجيا والتدريب، مما ينسجم مع “رؤية السعودية 2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. من ضمن ذلك، شراكات بين شركة أرامكو وعدة شركات أميركية لتطوير الصناعات البتروكيميائية والخدمات الهندسية.
أما على صعيد دول الخليج الأخرى، فقد أبدت كل من الإمارات وقطر والكويت اهتماماً بإبرام اتفاقيات مماثلة، سواء في مجالات الطاقة المتجددة، الأمن السيبراني، أو قطاع الطيران المدني، في خطوة تؤكد أن الزيارة كانت رسالة اقتصادية إقليمية بامتياز.
هذه الاتفاقيات لا تعني فقط تدفق رؤوس أموال خليجية إلى الاقتصاد الأميركي، بل تمثل أيضاً عودة أميركية قوية إلى عمق المشهد الاقتصادي الخليجي، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جوهرية في أولوياتها التنموية.
اليوم، بات من الواضح أن واشنطن لم تعد تنظر إلى الخليج فقط من زاوية النفط أو الجغرافيا السياسية، بل كمحور اقتصادي فاعل يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي. ومن هنا، فإن الكرة في ملعب دول الخليج، التي عليها أن تترجم هذه الاتفاقيات إلى مشاريع تنموية مستدامة، تُحدث فرقاً ملموساً في حياة المواطن، وتُسهم في بناء اقتصادات أكثر تنوعاً وصلابة.
زيارة ترامب، إذاً، أعادت ترتيب أولويات العلاقة بين الجانبين، وجعلت من الاقتصاد حجر الأساس لأي تحالف استراتيجي مستقبلي.
دمتم بود...